سورة الأنبياء - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنبياء)


        


{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)}
{كُلٌّ} التنوين فيه عوض من المضاف إليه، أي: كلهم {فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} والضمير للشمس والقمر، والمراد بهما جنس الطوالع كل يوم وليلة، جعلوها متكاثرة لتكاثر مطالعها وهو السبب في جمعهما بالشموس والأقمار، وإلا فالشمس واحدة والقمر واحد، وإنما جعل الضمير واو العقلاء للوصف بفعلهم وهو السباحة.
فإن قلت: الجملة ما محلها؟ قلت: محلها النصب على الحال من الشمس والقمر.
فإن قلت: كيف استبدّ بهما دون الليل والنهار بنصب الحال عنهما؟ قلت: كما تقول: رأيت زيداً وهنداً متبرجة ونحو ذلك؛ إذا جئت بصفة يختص بها بعض ما تعلق به العامل. ومنه قوله تعالى في هذه السورة {وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء: 72] أو لا محل لها لاستئنافها.
فإن قلت: لكل واحد من القمرين فلك على حدة، فكيف قيل: جميعهم يسبحون في فلك؟ قلت: هذا كقولهم (كساهم الأمير حلة وقلدهم سيفاً) أي كل واحد منهم، أو كساهم وقلدهم هذين الجنسين، فاكتفى بما يدل على الجنس اختصاراً، ولأنّ الغرض الدلالة على الجنس.


{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)}
كانوا يقدّرون أنه سيموت فيشمتون بموته، فنفى الله تعالى عنه الشماتة بهذا، أي: قضى الله أن لا يخلد في الدنيا بشراً، فلا أنت ولا هم إلا عرضة للموت، فإذا كان الأمر كذلك فإن مت أنت أيبقى هؤلاء؟ وفي معناه قول القائل:
فَقُلْ لِلَّشامِتِينَ بِنَا أفِيقُوا *** سَيَلْقَى الشَّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا
{وَنَبْلُوكُمْ} أي نختبركم بما يجب فيه الصبر من البلايا، وبما يجب فيه الشكر من النعم، وإلينا مرجعكم فنجازيكم على حسب ما يوجد منكم من الصبر أو الشكر، وإنما سمى ذلك ابتلاء وهو عالم بما سيكون من أعمال العاملين قبل وجودهم، لأنه في صورة الاختبار. و{فِتْنَةً} مصدر مؤكد لنبلوكم من غير لفظه.


{وَإِذَا رَآَكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36)}
الذكر يكون بخير وبخلافه، فإذا دلت الحال على أحدهما أطلق ولم يقيد، كقولك للرجل: سمعت فلاناً يذكرك، فإن كان الذاكر صديقاً فهو ثناء، وإن كان عدوّاً فذم. ومنه قوله تعالى: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} [الأنبياء: 60] وقوله: {أهذا الذى يَذْكُرُ الِهَتَكُمْ} والمعنى أنهم عاكفون على ذكر آلهتهم بهممهم وما يجب أن لا تذكر به، من كونهم شفعاء وشهداء. ويسوءهم أن يذكرها ذاكر بخلاف ذلك. وأما ذكر الله وما يجب أن يذكر به من الوحدانية، فهم به كافرون لا يصدّقون به أصلاً فهم أحق بأن يتخذوا هزؤا منك، فإنك محق وهم مبطلون.
وقيل معنى {بِذِكْرِ الرحمن} قولهم: ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة. وقولهم {وَمَا الرحمن أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} [الفرقان: 60] وقيل: {بِذِكْرِ الرحمن} بما أنزل عليك من القرآن. والجملة في موضع الحال، أي يتخذونك هزؤا. وهم على حال هي أصل الهزء والسخرية وهي الكفر بالله.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11